الاثنين، يونيو 07، 2010

كما نشرته جريدة الحياة 4

التشدد الديني والغلو

ذات يوم كنت مع شخص «سمارى»، وإذا بنا نتطرق لمواضيع أدبية فكرية حتى أوصلتنا سحابة طهر نحو موضوع التشدد، فقال لي: أريد الاعتراف لك بشيء، قلت: ماذا؟ قال: «احلف انك لن تخبر أحداً»، فقلت لن استخدم اسم الله في أشياء عادية دعنا نكتفي بالوعد بعدم البوح، فأخبرني ذلك الشخص بما معناه أنه كان في ما سبق متمسكاً بالدين بقوة لا تسمح له بأن يفكر قليلاً بما هو متمسك به، هل كله صح أم خطأ؟ وهل هو متمسك بعادة صحيحة شرعا أم لا؟ اخبرني أن الانغلاق في مجتمع معين هو سبب ذلك، وانحصار المتدينين مع بعضهم البعض في جماعات هو سبب آخر من غير الأخذ من ...
... كل زهرة يقابلونها في أي بستان يمرون به، والوثوق الأعمى بالأقارب والأخذ منهم، فليس معنى أنهم من عائلتي أنهم على حق؟ فبعض العادات والتقاليد تخالف الدين ولكن البعض يقول عنها تراث يجب الابتعاد عن التحدث فيه، والسبب الرئيس يعود إلى التنشئة الفكرية التي تعرض لها هؤلاء الشباب منذ صغرهم بشكل خاطئ، وبعدها غزت فتاوى المجاهدين والمتشددين أفكارهم!
ما يلفت نظري في هذه العينة هي أن دعوتهم للحق تكون بعنف، وعندما يرون خطأً دينياً من أحدهم يعنفونه وربما يصل للضرب لو كان أحد أبنائهم أو أقاربهم! ربما نسي هؤلاء أن الإسلام دين الوسطية وقد دعا إلى التسامح والعفو في سبيل الوصول نحو الغاية العظمى، قال تعالى (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس) فالعفو والتسامح من صفات الرسول «صلى الله عليه وسلم»، وما دمنا نتخذ الرسول قدوة فمن الأجدى أن نتخذ من صفاته مرجعاً ونتصف بها، لماذا نتشدد في حديث معين كحديث «واضربوهم عليها لعشر»، هناك أيضاً الأشرطة الإسلامية، وأتساءل دائماً عندما أراها لماذا تصدر أشرطة تحث على الجهاد في زمن لا جهاد فيه! يجب الأخذ من كل البساتين ما يوافق الدين والاطلاع، والاهم هو الاختلاط مع المثقفين، فليسوا زمرة من محاربي الدين أو ممن يريدون تحريفه، كما يدعي البعض، وإن وجد منهم كذلك فيجب عدم التعميم، وكما قال نعوم تشومسكي: «المثقفون هم من يعرون الحقائق ويفضحون الأسرار»، الكثير منا أو منهم غاب عنهم حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأهل النار... كل عتل جواظ مستكبر».
في نموذج صديقي هذا وبشهادته أن التشدد وصل به إلى الانفلات الديني، وأقصد هنا العنصرية والتكفيرية، ففي رأيي لدينا ثلاث شرائح في مجتمعنا، كلنا نشأنا تنشئة إسلامية سليمة ثم تصنفنا إلى ثلاثة أنواع، منا من تشدد وانغلق وتحجر حتى فجر! ومنا من تشدد حتى انتفض عقله من بعض الأمور التي في الأصل غير شرعية بل عادات «إسلامية» حتى أصبح لديه نفور من كل شيء ديني وخلفية حاقدة على المتدينين، وأما النوع الثالث فهو الوسطي، كيف نتجنب تلك الإشكالية؟ في حال هذا الشخص هو عاش في بيئة منغلقة متمسكة بكل ما يقال عنه من الدين؟ من غير تحقق والمشكلة أن ترجمة القرآن إلى تعاليم لدينا فيها خلل، فليست ترجمتنا كاملة وإلا ما خرج لنا المتطرفون.
المنهج المعتدل في تربية أبنائنا بنظري هو أن نعطيهم أساسيات الدين ونثقفهم به من غير تخويف بالقبر والعذاب والنار والوعيد - ففي حالات كثيرة أصابها الخوف والقلق والوساوس من قوة الوعيد والتخويف - في سن باكرة قد لا تتجاوز 12 عاماً! عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي «إن الدين يسر ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وابشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة»، قال لي هذا الشخص: «اقسم أنني لو واصلت لتلك المرحلة ولم انتبه لنفسي بالاختلاط مع مختلف الآراء لأصبحت من التكفيريين والإرهابيين، والحمد لله على ما وصلت له»، مجتمعنا يعيش حالة خلخلة وعدم استقرار نفسي ووجداني، ولذلك تخرج لنا هذه الطائفة المتطرفة التي تحاول إعادة التوازن النفسي والاجتماعي القديم في العصور الإسلامية الأولى، لقد علمنا الإسلام ما نحتاجه في جميع مظاهر الحياة، والى ما يدعوا للاستقرار النفسي، ولكن مشكلتنا هي عدم ترجمة هذه التعاليم جيداً وبوضوح من القرآن، إن الدين «الوسطية» هل تأمل أحدكم هذه العبارة بعقلة وقلبه؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق