الثلاثاء، يناير 20، 2009

لعالم بلا تافهين " مقال منشور في مجلة نبضنا "


ليس لديّ شك في أنني سأوضح الفكرة وأخرجها بشكل سليم، ولكن الشك في أن يتم تقبلها في الأوساط الثقافية. هذا المقال ليس سوى محاولة فهم، وتوضيح وجهة نظر شخصية، إلى وقت قريب لا زال هناك تفريق كبير بين المثقف المفكر, وبين العامي ذو الأفكار المحدودة وذو الإدراك السيئ للأمور، ولكن هل نسمح بمثل هذا أن يختلط معنا؟ ، (إلى مجتمع بلا تافهين ) عبارة طالما سمعتها من كثير من المثقفين ، وممن كنت أعتقد بأنه كبير في فكره ، في استخدام ...
كلمة ( تافه ) غرور كبير ممن اطلقها وتقليل من شأن الكثير ، وربما كان هو التافه بنفسه لأنه بدأ يفرد عضلاته الفكرية أمام الآخرين وإطلاق الأوصاف عليهم ، هم ليسوا سوى أناس أبتعدوا عن الأدب والفلسلفة لأن لهم إهتمامات أخرى ، ماذا لو كان المجتمع بأكمله مثقفا ! في هذه الأرض قوى توازن، فالشمس و القمر يعنيان الضوء والهدوء، الصيف والشتاء يعنيان الحر والبرد، كل هذه أمثلة على التوازن، لا حق لنا أن ننتقدهم أو أن نقلل من شأنهم، هم أرادوا هذا، هم اختاروا طريقهم في الحياة، فهل نتدخل في تخطيطهم لحياتهم؟! المجتمع يحتاج إلى عينات مختلفة وهذا ليس عذرا لنا بأن نضعهم تحت المجهر, وأيضا ليس عذرا لهم ليغرقوا في وحلهم أعمق، معاملتهم باللطف وإشعارهم بأنهم ذو قيمة أول خطوة للتصحيح, فلا حياة لكائن ما من غير أن يشعر بأنه ذو قيمة (وأتكلم هنا عن التافه في أفكاره بمعنى الساذج). يقول الكاتب النفسي جون ديوي: "أعمق واقع للإنسان إلى العمل هو الرغبة في أن يكون شيئا مذكورا"، وأنا أضيف أن يكون شيئا متفردا، شيئا بارزا يتحدث الناس عنه، فالكل يحتاج إلى التقدير في عمله، من زملائه ورؤسائه، لو عاملنا الآخرين بجفاء وبسخرية, والأدهى بنقد, فسندمر أي بادرة تجعلنا نقيم معهم علاقة و التي من شأنها أن تحسن من وضعهم, ولزاد عنادهم أكثر من الرغم من أنهم يعاندون أنفسهم في الواقع، وقد عبر الكاتب والباحث الأمريكي (ديل كارنيجي) الشعور بالأهمية لدي المخلوق الحي بأنه: "السر الأكبر للتعامل مع الناس"، ولقد سئل أحد المديرين عن سر نجاحه في التعامل مع الناس فقال: "إنني أعتبر مقدرتي على بث الحماسة في نفوس الناس هي أعظم ما أمتلك, وسبيلي إلى ذلك هين وميسور فإني أجزل لهم المديح والثناء, وأسرف في التقدير والتشجيع". التقدير والمدح أهم السبل للوصول إلى قلوب الآخرين، وأهم السبل للحصول على ما تريد، فالقادة العظماء بذلوا وأعطوا وتعبوا, فقط لينالوا المدح والتقدير من مواطنيهم، والطغاة سفكوا وأراقوا الدم أنهارا, فقط ليبقى اسمهم محفورا في التاريخ -ولعل في أمثلة جنكيزخان وهتلر توضيح للفكرة-، إن لم يكن هناك تقدير فلن يكون هناك عمل، الأمر ليس صعبا -المدح والإطراء- إذا ما مورس لأكثر من مرة صار عادة نفعلها دون أن نشعر، فقط عليك أن تثني على الناس، تعامل كل واحد منهم على أنه مهم، اهتم بأحاديثهم، باهتماماتهم، بأفكارهم، واحترم وجهة نظرهم "اقتباس من كتاب الشخصية الساحرة لكريم الشاذلي". إذا نحن كمثقفين وأدباء لا يحق لنا أن ننتقد ونتكبر على الباقين ولا يجب أن نبعدهم عن حدود الثقافة والأدب، وننفرهم منه، بل أن نتعامل معهم على أسس مختلفة, فمعرفة نمط الشخصية لكل فرد يسهل علينا التعامل مع من نخاطب. ولعلي هنا أنوه إلى الأطفال فهم الأحق بهذه النظريات والأساليب. "لحياة بلا تافهين" لعمري من يتبنى هذا الموقف هو التافه "أيا من كان".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق